السودان الجديد

هل أطروحة السودان الجديد فكرة من لون واحد أم ألوان متعددة في لوحة واحدة؟
هل هناك جهة واحدة تمتلكها ، أم هي مشاعة الملكية؟
ما هي الجهة المناط بها مراجعتها والحذف والإضافة إليها و تسويقها؟
ما هي الجهات المناط بها تنفيذها؟
سوف نحكي .. ونقول
أعتقد أن السودان الجديد فكرة ذات ملامح عامة .. لكنها ليست نسخة واحدة
شأنها شأن أية فكرة إنسانية أو علم مبتكر لا يعود إستخدامهما حكراً لمن أطلقهما
يُستثني من ذلك المنتجات التجارية .. أو النسخ الأصلية للمنتج الفكري أو التقني
السودان الجديد ليس كياناً بعد
وهي كفكرة ومنهاج ليستا نسخة واحدة أيضاً
هي مثلها مثل أية رؤية تحمل الملامح الاساسية .. ثم على حاملي أو داعمي تلك الملامح التكيف معها حسب القناعة
الإشتراكية ليست درجة واحدة عند كل حاملي مشعل الإشتراكية
الإسلام كدين ومنهاج يتفاوت عند أهله بين الخفيف والوسطية والتطرف .. إذ أن هناك من يكتفي بالإعتقاد والنطق بالشهادتين فقط .. وهناك من يمارسه على المستوي الشخصي من شعائر تعبدية ومعاملات .. بينما هناك من يتطلع إلى أن يحمل الناس عليه حملاً
المسيحية كذلك ينطبق عليها نفس الكلام
وهكذا في كل فكرة
ندما طرح الرئيس الأمريكي باراك أوباما شعار التغيير إبان حملته الإنتخابية ، إكتفي بإيراد ملامح ذلك الشعار حسب رؤيته .. لكنه لم يكن بإمكانه أن يعترض على منافسه جون مكين عندما إستخدم ذات الشعار ( التغيير) ..
كان الشعار واحداً .. لكن لكل منهما رؤيته وتفاصيلة في نسخته الخاصة
نعود إلى السودان الجديد
أول من أنتج هذه الجملة وهذا الشعار كشعار سياسي هو الراحل د.جون قرنق
أما كعبارة أدبية فقد تغني بها شعراء وفنانون قبله ..
الفرق أن أولئك الشعراء والفنانين لم يفصحوا عن مكنون العبارة بالنسبة لهم .. إذ ربما قصدوا الغد المشرق وحسب.
لكن جاء التفصيل من جهة الراحل قرنق ..فحمل شعار السودان الجديد روحاً جديدة..
ومع ذلك فالباب قد تُرك على سعته لتفصيل المفصّل
وبذلك تتعدد درجات التجديد وإيقاعات التعاطي التجديدي في إطار رؤية السودان الجديد
ثم يبقى كل ذلك التنوع والتفاوت تفاوتاً وتنوعاً داخل الإطار ( السودان الجديد)


يجدر بنا أن نذكّر بإختصار شديد بالملامح العريضة للسودان الجديد حتى ننتقل سريعاً إلى الجانب الأهم بالنسبة لى في هذا البوست .. ألا وهو التنفيذ وآلياته .. فهذا المحور ما يزال في طور التشكل الذي يصاحبه الغموض
أمّا الملامح فهي:
1- السودان الديمقراطي .. ديمقراطية كاملة .. لا ديكتاتورية لحزب أو لفئة أو لطبقة .. لا ديكتاتورية بروليتاريا ولا غيرها من حيل الإلتفاف على الديمقراطية ، دعك عن الديكتاتورية الصريحة
2- السودان المتعدد .. تعددا متساويا في الحقوق والذي يستلزم حياد العرق والدين والثقافة
3- السودان العادل .. فلا إحتكار للسلطة أو الثروة من قبل فئة من الفئات
4- السودان المتوازن بين مركزه وأطرافه .. فلا يتحكم أحدهما في الآخر .. سياسياً كان أو إقتصادياً .. أو ثقافياً
هذه المحاور تشكل بالتقريب ميادين المطارحة بالنسبة للنظم السياسي لفكرة السودان الجديد


الآن.. يا ترى كيف بدأت جموع المؤمنين بالفكرة في تشكيل أنفسهم وتنظيم صفوفهم وتصميم أدوات التنظيم لجعل الفكرة واقعاً معاشاً؟
هنا أرى فيالق من جيوش حقيقية
وجيوش من خيال .. هنا أسمع ضجييجا دونما طحين
لكنني أرى أملاً ر،غم ذلك، يشق حجب الظلام
هنا أرى مخاضاً جد عسير
إذن دعوننا نتلمس الطريق ونبدأ في المسير
المسير العملي بالتأكيد .. وليست المسيرة الفكرية
فالأخيرة قد قطعنا فيها شوطاً بعيدا

إذن
ما هي مواعين السودان الجديد حتى الآن؟
هي كل المذكورين أدناه .. وآخرين
1- الحركة الشعبية لتحرير السودان
2- الحركات الثورية في الغرب والشرق ، وهي عديدة
3- بعض الحركات السياسية الناشئة في كل مكان في السودان
4- منظمات مدنية
5- شخصيات مستقلة
6- شخصيات حزبية مؤثرة لكنها تعمل ضمن مواعين السودان القديم

سوف نبدأ في تناول هذه الشرائح بالمقلوب .. أي إبتداءاً من المجموعة الأخيرة .. المجموعة رقم (6)
لأنها الأكثر غموضاً .. فكلما صعدنا في الترتيب بإتجاه الرقم (1) ، كان الوضوح بائناً .. وكلما هبطنا
بإتجاه الرقم الأكبر كان الضباب طائفاً ، وكان الأمر شائكاً


في ظل هذا التشتت ، كيف يمكن أن تنتظم قوى السودان الجديد حتى تجعل من المشروع واقعاً على أرض الحقيقة؟
هل نأمن عدم التنافس فيما بين هذه القوى .. ذلك التنافس المفضي إلى تشتيت الجهود والأصوات
هل نأمن حالة التقاعس والتواكل فيما بينها؟ بحيث تركن بعضها إلى بعض في تنفيذ المهمة وبلوغ المرام؟
وكيف يساهم المستقلون؟
وماذا عن العناصر التي تعمل من أجل الفكرة لكنها لم تودع المواعين القديمة؟

سوف نبدأ في مناقشة هذه الأسئلة الحائرة إنطلاقاً من السؤوال الأخير ، ذلك السؤال الذي صممناه ليخاطب الشريحة المندرجة ضمن المجموعة رقم (6) أعلاه
ولنذكر بها ، هي مجموعة الشخصيات الحزبية الخبيرة والتي تجد القبول والتقدير من قوى السودان الجديد ، لكنها – أي هذه الشريحة – ما تزال متمسكة بمواعين السودان القديم
هل نتركها وشأنها ؟ ولماذا نتركها وهم معنا في ذات السفينة .. سفينة الفكرة؟
كيف نتركها وهم أكثرنا خبرةً وعلما؟


وليكون حديثنا أكثر وضوحاً ، دعونا نأخذ مثالاً كحالة عملية تتجسد أمامنا:
قبل ما يقارب أشهراً ثلاثة تناقلت وسائل الإعلام خبراً حول مجموعة من قوى السودان الجديد ،وتحديداً ، مجموعة من كيانات الثورة السودانية المسلحة الناشطة في دارفور، يفيد الخبر أن هذه المجموعة قد رشحت شخصية من ابناء السوادان الذين يشار إليهم بالبنان ، ليتقدم صفوفهم ويقودهم في مسيرة التحرير والعدالة .. تلك الشخصية هي الدكتور التجاني سيسي
وترشيح الثوار له وهو الأكاديمي الدبلوماسي الذي لم يحمل السلاح يوماً ، يعني شيئاً واحداً ، يعني أن هؤلاء الثوار يثقون به .. إذ لا يمكن لشخص أن ينهض ليموت من أجل فكرة معينة ، ثم يسلم الزمام لشخص لا يثق أنه سيحافظ على تلك الأمانة من بعده .. هذه الخطوة لوحدها شهادة في حق الرجل .. وهي في الوقت ذاته دليل على وجود عناصر مهمة بالنسبة لفكرة السودان الجديد وقواها ، لكنها لا تعمل ضمن مواعينها المعروفة ،، أو مواعينها المتقدمة في صف أفضلية الأطر والفاعلية.

ثم توالت النقاط الإيجابية تنهال على سجل الرجل ، ذلك عندما شكر- أي دكتور تجاني سيسي - الثوار على الثقة التي توسموها فيه ، لكنه إشترط توحد أغلب الثوار على صعيد واحد إذا أرادوا له أن يتقدمهم .. وكانت حجته أنه لا يمكن أن يكون عامل تفرقة .. فلا يمكنه بالتالي أن يقود مجموعة لا تمثل الأغلبية فيضع نفسه موضع التنافس مع تلك الأغلبية ..
كان في هذا الرد إعترافاً منه بأنه أحد حملة مشعل السودان الجديد ..وإن جاء حراكه في أطر السودان القديم .. كذلك قد أثبت رغبته الجامحة في وحدة صف تلك الشريحة من قوى السودان الجديد كشرط لكي يتسنم مقودها
وأن المناصب لاتمثل بالنسبة إليه كل شيئ .. وتلك حقيقة .. فالدكتور التجاني سيسي قد ظل قريباً من الثوار طيلة عمر الثورة في غرب السودان .. ظل يقدم لهم النصح والإرشاد
قد فكّر الثوار من قبل أن يسندوا له مهمام الرئاسة ، ايام بواكير الخلاف بين منّي مناوي وعبدالواحد ، لكن الرجل ما كان يرغب في قيادة سفينة بقية طاقمها متشاكسون.. كان بإمكانه أن يترك لعابه يسيل للمنصب الذي كان ملئ السمع والبصر .. وذي سمعة دولية .. إذ بدأ الإعلام العالمي يجري ليسلط الضوء على قيادة هؤلاء الثوار الذين أرهقوا النظام ذا الجبروت أكثر من ما فعلته الحركة الشعبية في عشرين عام
لكن الرجل ما كان يفكر في الهالة التي سوف يرسمها الإعلام حوله.

ثم الآن يتكرر نفس الطلب من الثوار
ثم ما هي إلا أشهرٍ ثلاثة حتى حملت الأخبار عن ترشيح حزبه له ( حزب الأمة) لمنصب والى إحدى ولايات دارفور .. إذن فالرجل محل تنافس بين قوى السودان الجديد وبين قوى السودان القديم
وهناك كثيرون على شاكلته
وبغض النظر عن معقولية مثل هذا الترشيح من عدمها.. أو تواضع هذا الترشيح من عدمه .. وبعيداً عن لماذا إحتفي حزب الأمة بهذا الترشيح الأكثر من إعتيادي فسرب الخبر قبل أخبار بقية الترشيحات .. من يا ترى يريد الحزب أن يغازل بهكذا ترشيح وهكذا تسريب؟ ما علينا .. وبعيداً عن كل ذلك دعونا ننظر في جانب آخر من زوايا المسألة
هنا يجب أن نتوقف كثيراً ونسأل .. ما هي مواعين وأدوات تنفيذ فكرة السودان الجديد؟
في ظل إنكفاء الحركة الشعبية ، الرائد الأول والإطار الأكثر فعالية ، وتفرغها بالكامل لتحقيق دولة جنوب السودان .. وفي ظل تشرذم القوى الثورية التي تحتل الترتيب رقم (2) في سلم الفاعلية .. وفي ظل عدم جاذبية القوى السياسية الشابة حتى الآن ..

هل يكون الحل في إنشاء جسم جديد يكون بمثابة الوريث للحركة الشعبية في حال إنفصال جنوب السودان؟
وهل تقفز شريحة التجديديين العاملين في أطر السودان القديم إلى الترتيب رقم (1) أو رقم (2)؟
بمعني هل من أملٍ في إصلاح مواعين السودان القديم لتحمل أفكار السودان الجديد؟
لست أدري ..سوف نبحث .. فهل تبحثون؟