نحن الآن في ايام الوداع للسنة الاخيرة للفترة الانتقالية التي نصت عليها اتفاقية السلام الشاملة, وقد يختار جنوب السودان الانفصال غير اننا نرجح اكبر الترجيح ان المخاطر التي تترتب على انفصال الجنوب وتضر بمصالحه ومصالح شمال السودان والمصالح المشتركة مخاطر كثيرة وقد نذكر منها شيئا هو:
1- يفقد الجنوب نصيبه في البنيات الاساسية القائمة في الشمال والتي هى في ظل السودان الموحد ثروة مشتركة لكل القوميات والكيانات وهذا يلقى على عاتق الجنوب مهمة انشاء بنياته الاساسية.
2- دولة الجنوب دولة مغلقة لامنفذ لها الى البحار وسلبيات هذا الوضع عدة وذلك من وجهات النظر الاقتصادية والحضارية. وذلك بالرغم من ان قانون البحار قد خفف من هذه السلبيات بان كفل للدول المغلقة حقوقا تساعد على تجارة الترانزيت وتسهل الوصول الى اعالي البحار عن طريق الدول المجاورة.
3- يضعف اتصال الجنوب بالعالم العربي.
4- يفقد الجنوب ولو جزئيا السوق المحلي لتسويق منتجاته الزراعية الاستوائية.
5- ان ما يوحد القبائل الجنوبية هو تحالفها لمواجهة الشمال، وهذا التحالف يؤجل المواجهة والحروب بين قبائل الجنوب، فان انفض التحالف بانفصال الجنوب فمن المرجح ان يصبح الجنوب مسرحا لحروب قبلية لاتكفل الاستقرار الذي ينشده الجنوب.
6- كان من المؤمل ان يكون السودان مثالا لافريقيا والعالم ان نجحت فكرة الوحدة مع التنوع، ونجح السودان في ان يكون بوتقة تنصهر فيها الاعراف والثقافات، فان انفصل الجنوب عن الشمال حرم الجنوب نفسه من المشاركة في هذا الدور الحضاري الذي يجذب انظار العالم ويؤهل الجنوب والشمال لمهام عظيمة تساعده في تحقيق التنمية والتقدم للسودان.
7- البترول الذي يعتمد عليه الجنوب حاليا قد ينضب خلال عقد بعد عام2011م ومن ثم فان بعد النظر والتخطيط السليم يوجبان ان لايرهن مستقبل الجنوب منفصلا عن الشمال على عائدات البترول.
إن الاضرار التي تلحق بالشمال ان انفصل الجنوب لاتقل خطورة عن الاضرار التي تلحق بالجنوب وهى:
1- يجب ان لا ننسي ان الصراع الدائم والحروب الحولية التي تقع بين القبائل العربية والافريقية على حدود مديرية كردفان ودارفور وبحر الغزال واعالي النيل بسبب المراعي فان انفصل الجنوب لن يكون للقبائل الشمالية حق قانوني في المراعي الموجودة في الجنوب وتفقد الآلية القومية لتسوية المنازعات حول المراعي مما يؤثر تأثيرا كبيرا على القبائل العربية ويعطي اسبابا لحروب قد لاتكون قبلية فحسب.
2- يفقد شمال السودان الدور الكبير الذي يلعبه في تطوير مشاريع اعالى النيل المائية التي يتوقع ان تزيد من تدفق المياه في نهر النيل (مشروع جونقلي مثلا).
3- يحجب انفصال الجنوب الشمال من الاتصال المباشر بشرق افريقيا ويحرمه من ان يلعب دوره المرتقب كجسر الحضارة والثقافة العربية لافريقيا.
4- يفقد الشمال السوق الجنوبية لتسويق منتجاته ولن يقدر الشمال على المنافسة في سوق الجنوب التي سوف تفتح على مصراعيها لشرق افريقيا والعالم.
الاضرار التي تلحق بالمصالح المشتركة للجنوب والشمال لاتقل خطورة عن ما سلف ذكره من اضرار تلحق بالاقليمين في الآتي:
1- يعوق انفصال الجنوب الاستغلال الامثل لحقول البترول المشتركة بين الشمال والجنوب، كما لابد ان تثور بطريقة حادة مسألة البترول الذي تم استخراجه ، من يتكفل بدفع النفقات وما هو مصير اتفاقيات التنقيب التي ابرمت مع شركات البترول واسئلة اخرى تتداعى من هذا وغيرها:
* يعتمد الجنوب بعد ابرام اتفاقية السلام الشامل اعتمادا يكاد يكون كليا على نصيبه من عائدات البترول والبترول يصدر للخارج بعد تصفيته في الشمال وترحيله الى بورتسودان بانابيب تجري في الشمال، ومن ثم فلابد ان يتفق الجنوب مع الشمال في اقتسام هذه العائدات او بمعني آخر ان يتنازل عن شئ من عائدات البترول للشمال.
* وثمة امر آخر هو اعادة النظر في العلاقة التعاقدية مع الدول التي تشارك في صناعة البترول في السودان (ماليزيا والهند والصين) وفضلا عما تقدم فان استخراج البترول يثير قضايا بيئية مهمة يجب معالجتها بين الشمال والجنوب سلميا وبالاتفاق.
* اخيرا فان انفصال الجنوب ان لم يتم باجراءات واسس متفق عليها تراعي ما سلف الحديث عنه قد يخلق فراغا امنيا وسياسيا وقانونيا هى امر اخطر من اختلاف الرؤي في السودان الموحد.
* وفضلا عما تقدم فان ثمة مسائل شائكة اخرى يتعين النظر فيها مثل الديون الباهظة على السودان الموحد والاتفاقيات الدولية.
2- انفصال الجنوب يعوق التنمية الصحيحة لحزام السافنا المشترك بين الشمال والجنوب.
3- ما هو مصير النازحين من الجنوب الى الشمال لابد ان يفضى ترحيل النازحين الى الجنوب الى مآسٍ انسانية مفجعة، كما يكلف ترحيلهم اموالا طائلة ويؤدي الى مشاكل عاتية بالنسبة للشمال والقبائل الجنوبية النازحة.
4- ماهو مصير العملة، هل يستبدل الجنوب العملة السودانية بعملة جنوبية وما هى الآثار الاقتصادية المترتبة على تغيير العملة بالنسبة للشمال والجنوب يجب ان لا ننسي التجربة الاريترية الاثيوبية في هذا الشأن فقد كان من بين اسباب الحرب بين البلدين مسألة تغيير العملة الاثيوبية.
5- في ضوء ما تقدم هل يحقق الانفصال الاستقرار للجنوب والشمال ام ان يد التاريخ وتركته المثقلة بالمرارات ستبقي على اكتاف الشمال والجنوب ويستمر التوتر بل تستمر الحروب بين الطرفين ولنا في ما يجري بين اثيوبيا واريتريا العظة والعبرة في ما سوف يؤول عليه الحال بين دولتي الشمال والجنوب ان تركت مشاكل الانفصال بلا حل... حقا ان مشاكل الانفصال اعتي واصعب على الحل من مشكلة الجنوب في اطار الوحدة والتنوع، كما ان تكلفة الانفصال اكبر من تكلفة النزاع المسلح.. لقد صدق د.فرانسيس دينق عندما قال في ندوة في واشنطن " لا شمال بلا جنوب ولا جنوب بلا شمال".
في الختام علينا ان نوضح ما سبق ذكره للراي العام الجنوبي والشمالي ليدركوا مخاطر الانفصال فتكون الوحدة جاذبة وبالرغم من ذلك فان اتفاق السلام الشامل لعام2005م كفل للجنوب حقوقا ومزايا بالضرورة تجعل الوحدة جاذبة وعلى سبيل المثال فقد نصت الاتفاقية على سلطات وحقوق لحكومة الجنوب تجعل فيه وضعا شبه كونفدرالي فلا يجوز لحكومة الوحدة الوطنية في الخرطوم ان تتعاقد مع الولايات الجنوبية الا عبر حكومة الجنوب كما ليس لها أي اختصاصات في ادارة الجنوب ذلك بالرغم من ان الاتفاق اعطى حكومة الجنوب بعض الاختصاصات في ادارة الدولة ككل وهى تشمل الشمال ويتجلى هذا في مؤسسة الرئاسة وسلطات رئيس الجمهورية التي لايمكن ممارستها الا بعد موافقة النائب الاول للرئيس هذا وضع نأمل الا يفرط فيه الجنوبيون.