لشتات السوداني: مفاجآت البحث عن الجذور..!
يحيى العوض
عند توثيقنا لتجارب الهجرة واللجوء والاغتراب لاجيال من السودانيين تقفز الى الأذهان صورة من تراثنا المعاصر لها دلالاتها عن سودانى من عامة الناس خلده كتاب مدرسى صدر فى اربعينيات القرن الماضى تبادلته واعجبت به اجيال من السودانيين عنوانه «سبل كسب العيش فى السودان» أشرف على صياغته الأستاذ الكبير عبد الرحمن علي طه . وعثرت على توثيق رائع للكتاب بقلم الاستاذ الفاضل حسن عوض الله يلخص الزيارات البحثية التى قام بها أساتذة أجلاء من بخت الرضا شملت مناطق فى شمال وجنوب وشرق وغرب السودان وهم الاساتذه : مكى عباس، النور ابراهيم، الشيخ مصطفى، عبد العزيز عمر الأمين ، عبد الحليم جميل ، احمد ابراهيم فزع ، عثمان محجوب، سر الختم الخليفة ، ومستر ومسز سمث ،وثقوا لشخصيات حقيقية ونشروا أسماءها.
يقول مطلع الأهزوجة التى كتبها الأستاذ عبد الرحمن علي طه :
فى القولد إلتقيت بالصديق
أنعم به من فاضل صديق
خرجت أمشى معه للساقية
ويا لها من ذكريات باقية
وكم أكلت معه « الكابيدة «
وكم سمعت «أورو ألوده «
ودعته والأهل والعشيرة
ثم قصدت من هناك ريرة..
والمفارقة المريرة ، ان صديق عبد الرحيم ، الرمز لاستقرار المزارع السودانى وخصوبة أرضه اضطر الى الهجرة الى الولايات المتحدة واستقر هناك الى ان توفى عام 1998 وله من الابناء كمال ونتمنى ان يسهم معنا فى توثيق سيرة والده..
وأثارت الدراسة التى نشرت الأسبوع الماضى : الدرويش الصغير، أسطورة طفل سودانى كرمه الجيش البريطانى، الكثير من التعليقات وسرد حكايات مشابهة، استقصت جذور سودانيين اجبروا على الشتات بعضهم استرقاقاً وآخرون لظروف العمل أو اختياراً بحثاً عن ظروف أفضل . وسوف نوثق بالتفصيل الوقائع التى تكرم بها اساتذة أفاضل . وكانت من المبادرات التى وصلتنا دراسة الفنان الدكتور ابراهيم كوجان عن البارونة ( ميرال حسين) عضو مجلس اللوردات البريطانى عن الحزب الليبرالى الديمقراطى فى الانتخابات الاخيرة ومن ناشطى حقوق الانسان واعلنت بعد انتخابها انها وابنة عمها الفنانة الشهيرة تيريسى أمين سودانية تم فى عام 1860 م استرقاق جدهما عبد الله وكان عمره (13) عاما وكان مع شقيقته (12) عاما يصطادان السمك فى منطقة بشمال السودان فخطفهما تاجر رقيق راقبهما وتابعهما فى قارب وحاول والدهما وهو من الاثرياء، ومن اصحاب الاملاك مطاردة القارب مع مجموعة من اتباعه حتى سقطت خيولهم من الاعياء فعادوا ادراجهم والحسرة تقطع نياط قلوبهم .واوضحت البارونة ميرال ان الخاطفين اخذوا جدها الاكبر عبد الله الى ميناء لاراناكا بقبرص حيث بيع فى مزاد للعبيد واشتراه احد الاثرياء من القبارصة اليونانيين بثمن عالٍ لتمتعه بطول فارع وقوة فى جسمه وقد افترق عن شقيقته بعد المزاد . واوكل له سيده الجديد الاشراف على خيوله وابله التى كان يربيها ويتاجر فيها، وقد حاول سيده وهو مسيحى العقيدة اجباره على تغيير ديانته الاسلامية، لكنه رفض وازداد اصراراً و قام بتعذيبه وتعليقه من أرجله فى شجرة طوال النهار فى الشمس المحرقة ، وأخيراً باعه الى تاجر تركى مسلم وعامله باحسان . وبعد سنوات فى خدمته اعتقه وواصل عبد الله عمله فى التجارة وشيد أول مسجد فى القرية وتزوج من سيدة تركية . وانجب عبد الله سبعة أبناء من بينهم والد الفنانة تيريسى واسمه انفر ، وهاجر ايضا الى بريطانيا مع والد البارونة ميرال عام 1948م الذى عمل فى الشرطة ولحقت به زوجته عام 1952م، وشارك فى الحرب العالمية الثانية، وأسرته القوات النازية وظل فى معسكرات الاعتقال الى نهاية الحرب . وولدت البارونة ميرال فى مدينة لستنجتون ببريطانيا.
وتعتبر ابنة عمها تيريسى أمين من أشهر الفنانين التشكيليين فى بريطانيا وأكثرهم جرأة وهى خريجة الرويال كوليج البريطانية، وتنظم معارض تتضمن صراعات فنية ولوحات صادمة من جرأتها .!
و فى سياق توثيقنا لتجارب أجيال سودانية فى الهجرة واللجوء والاغتراب ، واضيف اليها الخطف والاسترقاق سنواصل نشرها تباعا مع مناشدة الجميع لمزيد من البحث والاستقصاء ، خاصة فى البلاد التى استقر فيها هؤلاء الرواد . وبعث الأستاذ محمد الطاهر ازيرق رسالة تلقاها من الاستاذ محمد طاهر حامد، عن قصة ستة عشر شابا سودانيا من قبيلة الحلنقة البيجاوية السودانية - ذهبوا فى نهاية القرن التاسع عشر الى ألمانيا بصحبة رجل الأعمال ( Karl Hagenbeck) الذي كان يعمل فى استيراد وتربية الحيوانات المتوحشة واستعان بهم فى إقامة معرض باسم (Anthropologic zoological exhibition ) واتصل بالشبان الباحث اللغوى راينش (Leo Reinisch ) ليكمل دراسته عن اللغة البيجاوية بعد فقده لأوراقه التى وثق فيها اثناء زيارته لمدينة بورتسودان، وقد أثير هذا الموضوع فى ورقة قدمها الباحث اندرزيسكى فى سمنار الدراسات الافريقية الذى انعقد بجامعة الخرطوم عام 1968م ( عنوان الورقة بالانجليزية (Andrzejewski, BW. 1968, The Study of The Bedauye Language, The Present position and prospects, Sudan Research Unit,U.of .K, (Khartoum, African studies Seminar Paper No.4
ونتمنى أن يسهم معنا الجميع، خاصة الأخوة فى ألمانيا لاستكمال هذا البحث واستقصاء مصير الشبان البيجاويين الذين شاركوا فى هذا المشروع المهم ..
وهناك رسائل فى البحث عن الجذور وصلتنا من أساتذة أجلاء ، منها رسالة الصديق أبوبكر سيد أحمد عن الفرقة العسكرية السودانية التى حاربت فى المكسيك عام (1863م) والمكونة من (446) ضابطاً وجندياً ومترجماً واحداً ، وايضاً قصة القديسة الدارفورية بخيتة جوزفين كتبها الأستاذ محمدين محمد اسحق المقيم فى بلجيكا . ووصلتنا رسائل عن الصحافى السودانى الدارفورى محمد علي دوسة الذى اصدر جريدة (الأزمنة الافريقية) فى لندن عام 1912م . وبالتأكيد هناك العديد من الرسائل عن الصحافى المناضل (فيلكس دارفور) الذى عاش فى فرنسا وسافر الى هاييتى عام (1818) وأصدر صحيفة ( المستنير) التى شنت حملات ضارية ضد العنصرية وتم اعتقاله وحكم عليه بالاعدام ونفذ فيه رمياً بالرصاص ! وأهداه شاعرنا الكبير محمد الفيتورى ديوانه « عريانا يرقص فى الشمس « ورثاه شعرا ونثرا بكلمات بليغة. وموعدنا الاسبوع القادم ان شاء الله للمزيد من التفاصيل عن سيرة ومسيرة هؤلاء الرواد .. وساهموا معنا ..
الرأي العام